من أنا

صورتي
ينبع
الاسم : طه محمد حسن بخيت عملت معلما من العام 1386 ـ 1402 ثم انتقلت للعمل مفتشا إداريا في إدارة تعليم ينبع ثم مديرا للمتابعة فيها أعمل الآن مديرا للشؤون المالية والإدارية بإدارة التعليم بمحافظة ينبع بداياتي كانت متواضعة منذ المرحلة الابتدائية وتحديدا في الصف السادس. تأثرت سماعا بالبرنامج الإذاعي ( من البادية ) تقديم المذيع الكبير مطلق مخلد الذيابي رحمه الله . أحسست أن هناك عالما غريبا يسكن الدواخل يسمى بالشعر يجدل في أروقتها نواشر إحاسيسها ليلتقطها البوح ما بين كلمة طيعة وشاردة أخرى ، ومن هنا كانت البداية إبحارا إلى مرافئ العشق الدائم . هاتف المنزل : 043222352

آخر موضوعات المدونة

الأخبار

الخميس، 1 أكتوبر 2009

ثنائية البحر والرحيل في شعر طه بخيت


بقلم الشاعر والناقد السوداني محمد جميل أحمد

أول دهشة تشد القـارئ في مجموعة الشـاعر طه بخيت هو ذلك العنوان الإيحائي المهموس " الأشجان الهاجعة " كوعد جميل بنصوص يشكل فيها الهمس والبحر والرحيل المدخــل الإبداعي  لعالمه الشعري.

ففي عالم طه بخيت الشعري تتجلى الشفافية الهادئة والرغبة المهموسة ، وتتفاعل العواطف الإنسانية بكل تقاطعاتها في تجربة شعورية عميقة تشف عن روح مستهام يبحث عن الرحيل الدائم إلى عوالم يتفجر فيها الهمس ويدوي السكون ، في محاولة جاهدة يتناظر فيها الحلم مع الحقيقة ، والخيال مع الواقع . فالرحيل الدائم بحثا عن عوالم حالمة تتناغم فيها أحلام الشاعر مع حياته الواقعة هي التيمة الأساسية التي تعيد إنتاج تجربته الشعرية في معظم نصوصه الإبداعية .

وشعر ـ طه بخيت ـ وخصوصا شعره الوجداني ـ ينطلق من واقعين . واقع متخيل وواقع متحقق والمقاربة بين هذين الواقعين تكمن في ذلك الرحيل الدائم الذي يمنح تجربته الشعرية رؤية إبداعية متميزة

قدري أنني ركـــبت شراعي
ثم أسلمت مركبي للعباب
يوم أبحــرت والعيون حديث
ضل حرفي وعز فيه خطابي
أنت مثلي مسافرا تذرع الأرض
مشوقا ومثل ما بك ما بي

" قصيدة أشجان "

هكذا وهو يخاطب النيل المسافر أبدا تتجلى كلمة " قدري " كإعلان عن حالة شعورية متجذرة تجسد ثنائية البحر والرحيل في شعره .
فالقدر هنا ضربة لازب يكيّف الشاعر حياته معها لكنه لا يستطيع الانفكاك عن مناخها الحميمي . ذلك أن التحقق الكامل للذات الشعرية هو في هذا الارتحال المتجدد لتلك العوالم التي أسلفنا الإشارة إليها . والأستاذ طه بخيت بهذا الاعتبار شاعر وجداني بامتياز . فالشعر الوجداني دائما هو شعر الرحيل والغربة والشجن . ولعله من قبيل التوارد الشعري أن نشير هنا إلى التناص المبدع بين طه بخيت في أبياته السابقة ، وبين الشاعر السوري الكبير عبد الباسط الصوفي والذي مات في ريعان شبابه في قوله :

قدري أن أسير يملؤني الوهج
وأمضي مجنح الآفاق

والرحيل في شعر طه بخيت يتأطر بالشوق ويرتبط بالشجن ، ولكن الشجن هنا شجن ذاتي خاص يمتح الشاعر منه ويناجيه ، وهو لذلك يبحث عن الرحيل لعوالم بعيدة يبث فيها آلامه وأحزانه دون ضجيج أو صخب . يقول في قصيدة " يا عيد عدت " :

فأنت ظلي الذي يا عيد أنشده
أرتاحه من عنائي بعد إجهادي

ويتجلى ذلك في قصيدة " آخر الشوق حيث يقول :

وأستريح إليه طــائرا غردا
أبثه من شـجوني ما أعانيه
مسافرا كلما راحت تصافحني
يد الصداقة أو قلب أصافيه

أيضا يرتبط الحنين بالرحيل في شعر طه بخيت ، ولكن الحنين يتجلى في إطارين ـ إطار الماضي عبر الاسترجاع " الفلاش باك " وإطار الخيال أي الحلم بعوالم متخيلة تشد الروح وتستفز الوجدان للسفر إليها . ومن خلال التعبير عن الحنين بشقيه تتكشف آليات الخلق الفني للنص كالموسيقى الشعرية ، والمعاني المتجددة ، والخيال والصور عن إبداع يحتفل بجماليات الحياة ويؤسس عبرها نصوص تعيد ارتهان التجربة الشعورية للتعبير الفني عن تلك الجماليات . فمثلا عندما يسترجع الشاعر ذكريات العيد الجميلة يحشد صور الماضي الجميل للعيد ، ويســــتعمل دلالة الفعل الماضي كأداة لذلك ، يقول من قصيدة " ياعيد عدت " :

بصرت في وجهك المئناس شائقتي
من الصفاء وفي عينيك ميلادي 
غنيتك الشعر ما أكننت من ولهي
إليك أو خلته من فرط إسعادي

ويحتفل التعــبير عن العيد في شعر طه بخيت بصور الحياة الشعبية البسيطة في تدفقها العفوي والمفعم بالعلاقات الإنسانية الحميمة على هذا النحو :

وكيف يا ينبعي إن لاح طالعه
وعادك الأهل من حضر ومن بادي
وهـيأت كل أم دارها فرحا
يعج منه الندى بالطيـب والكادي
وساح كل صبي حـول منزله
وقال كل أب : الكــل أولادي

والشاعر كذلك يعبر عن الحنين تعبيرا وجدانيا تفجرت في حناياه لوعة الحب . والحنين هنا أيضا حنينا مرتحلا إلى الماضي ، ومتشحا بالمعاناة ، يقول من قصيدة " الشوق الكبير " :
وأبحرت بي سفين العمر لاهثة
في لجة بحرها وهن وأسقام
عودا إليها فلا أمسي سترجعه
لي الليالي ولا الأيـام أيام
تعيدني لست أدري ما أعود به
أللشباب الذي أبليت إقدام

أما الإطار الثاني من الحنين إلى عوالم الروح الهاجعة وفضاءات العشق المتخيلة ـ فهو أيضا مشهد من مشاهد التعبير الإبداعي التي يعيد الشاعر تشكيلها بلونيات متنوعة ، ويوقع من خلالها على إيقاعات نفسه بمشاعرها المتباينة كالحزن والفرح والحب والشوق يقول الشاعر من قصيدة "إليك أكتب " :

أطير شوقا إلى دنــيا مجنحة
فوق السحاب على الأقمار أعليك
أرى بعينيك نور الصبح منبلجا
والليل غـاف بها والشمس خديك
وأعبر البحر شوقا لا أكدره
أختار من بينه أحـــلى معانيك

ويؤكد هذا المعنى أيضا ولكن في إطار من الحزن العميق والشجن الشفيف يقول في قصيدة " حين تركتني "

أسافر أينما يممت شوقي
ويرحل بين عينيك اغترابي
ويأخذني المساء جناح طير
يرف بخــافقي فيزيد مابي
فأستبق المسـاء لأحتويه
إلى صدري فيسبقني انتحابي

وهكذا تتدفق الصور البديعة من خلال ذات مبدعة تتعشق فيها الرغبة عن التعبير الجمالي . المشاعر الإنسانية ، وتؤسس عبر جدليتها رؤى شعرية تكشف عن نصوص تبهر المتلقي وتنقله إلى عوالم يتحسس فيها آلام الشاعر وأحلامه ، ويتحسس أيضا في هذه العوالم عذابات " ناجي " و " ليالي الملاح التائه " وشجن " حسين سرحان " على هذا النحو من التعبير الجميل نلتمس ونعيش معه تلك المشاعر الرقيقة في عوالم يتدفق فيها الإحساس بالضياع واللهفة المرتعشة بحثا عن الحبيب في بحر عينيه المغرق يقول الشاعرمن قصيدة "التماس " : 

بين عينيك أبـحرت بي سفيني
أجهل العوم كيف كيف نجاتي
بحرها الرحب في مداه ضياعي
وعلى شــطها بقايا التفاتي
أيقظي زورق النجــاة ومدي
حبله فوقــــه ألم ُ شتاتي

وفي شعر طه بخيت يتسم التعبير عن أشواق الرحيل وأنات الحنين بالهدوء والدعة ، وكأنه صدى لطبيعة الشاعر الهادئة أو أثر من بقايا نفس تستشف السكون وتنشد الوداعة فيأتي إيقاع النص هادئا تتماوج في حركته موسيقى رخية هامسة . وهذا الهدوء والسكون في شعر طه بخيت يتجاوز الإيقاع الموسيقي للنص ليتغلغل حتى في اختيار مفردات التعبير الدالة على ذلك فهو يتخير لعالمه الشعري الهادئ مثل هذه المفردات : " يرف " " أيقظي " " غاف " " الصفاء " وهي كلها مفردات من قاموس السكينة والهدوء .
وطه بخيت حين يرحل بحثا عن تلك العوالم . يتوجه نحو البحر دون غيره من عوالم الرحيل . والبحر في شعر طه بخيت هو الملاذ اليوتيبي ، وهو أيضا علاقة مكانية متجاورة في بيئة الشاعر لها رصيد عميق في وجدانه . والبحر في شعر طه بخيت كائن أسطوري حبيب إلى نفسه بصورة تتقاطع مع تصورات الآخرين من أهل بيئته . استمع إليه وهو يعبر عن الرحيل على البحر من قصيدة "عودة الحبيب " :

وفي يدي رعشـة حمقى أطالعها
على المرايا التي حطمتها خجلا
وقد طويت شراعي والهوى سفر
والبحر يغري سفيني أينما نزلا

بل تتجلى ثنائية البحر والرحيل في شعر طه بخيت حتى في " الوطنيات " و " المناسبات " فهي نسيج كامل يتخلق في إطارها معظم شعره . والبحر أحيانا يتحول في شعر طه بخيت إلى علاقة تعبيرية بمعنى أن البحر يتحول من كونه ملاذا يوتيبيا إلى صورة خيالية أو وسيلة بيانية تؤدي مهمتها في إطار توظيف الشاعر لها مما يؤكد أن التعبير عن البحر عند طه بخيت تعبير انسيابي يتسرب في شعره في إطار من اللاوعي في نفس الشاعر ، وأحيانا أخرى يعبر طه بخيت عن البحر بعلاقة مكانية تقوم مقام الشاعر في التعبير ـ فهو حين يتكلم عن مدن بلاده الحبيبة يتوقف عند " ينبع " ويأتي البحركنسيج لحني في سيمفونية عذبة تعزفها مدينته " ينبع البحر "

وعروس إلى الشمال تهادت
يجمع الشرق حبها بالشمال
تغزل البحر في مفـاتن لحن
"ينبعي " الغــناء والموال

على حين أن البحر يأتي في بعض شعره الوطني كبعد رمزي يخرج عن طبيعته الفيزيائية ليطاوع خيال الشاعر وليجري كنهر عذب بتأويل معنى الحياة يقول من قصيدة " الحب الكبير " :

بلادا تهامى الخير في جــنباتها
وأضفى عليها من عباءته سترا
تعانق عطف الغيم تيها إلى الدنا
وتركب متن البحر تسكبه نهرا

وكذلك حين تختلط المناسبة بحب الوطن ويتجسد ذلك كرمز في بعض أمراء البلاد حين يزورون مدينته الوادعة في حضن البحر يتقمص التعبير الاحتفالي جسد البحر والمدينة كعلاقة مكانية تقوم مقام الشاعر في التعبير عن عواطفه . يقول الشاعر بمناسبة زيارة سمو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبد الله ابن عبد العزيز :

والبحر من حولي حديث مؤانس
حفلت به الآمال والأحـلام
يدنو من الجبل الأشــم معانقا
ويغازل النجمات وهي غرام

أيضا يتجلى البحر معبرا عن فرحة الشاعر بمناسبة زيارة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة لمحافظة ينبع من قصيدة " اللقاء السعيد " :

يشهق البحر بالبشارة زهوا
وعلى موجه القريب البعيد
يتغنى من الســعادة لحنا
وتنادى في جانبيه قصيدي

وطه بخيت يتعشق الرحيل وهو في ذروة الحزن والأسى ويسافر لعوالم الحزن ، ولكنه حزن صامت مطرق وكأنه يؤكد تلك الحالة الشعورية الراحلة أبدا والباحثة أبدا عن الهدوء والسكينة وهو يعبر عن مختلف العواطف الإنسانية . يقول معبرا عن حزنه العميق في والده من قصيدة " دمعة في وداع أبي " :

مسافر من وراء الجرح تأخذني
عوالم الحزن في صمتي وإطراقي
أخال كل يد تمتـد من كتفي
يديك موصــولة تمتاح آفاقي

وفي شعر طه بخيت يتكثف فضاء التعبير الشعري برؤى تنتخب عناصر الطبيعة في صور حية تتحرك فبها ابداعات التعبير الشعري وتوظفها كدلالات تمنح المشهد الشعري تأطيرا متنوعا متجددا ، وتخضع في الوقت ذاته لأساليب بيانية تعيد إنتاج ترميزها بتوظيف متنوع حسب مناخ التجربة الشعرية . وحسب التعبير عن المشاعر المتباينة حيث تتجلى أحيانا مبالغات المشهد الطبيعي في التشبيه للتعبير عن معان تعجز عنها العبارة وتقصر الإشارة فيتشكل المشهد الطبيعي من خلال التوظيف ليجسد الحالة الشعورية كقول الشاعر في قصيدة " إليك أكتب " معبرا عن معاني الحب العميق :

أرى بعينيك نور الصبح منبلجا
والليل غاف بها والشمس خديك



أو حين يقول :

تعود الشمس في عيني طفل
يخاف الليل زنجي الإهاب

أو حين يقول :

كل المدائن في خديك متحد
ألوانها هل علمت أين نادينا

وطه بخيت وهو يتأول إحساسات الطبيعة ويوظف مفرداتها المبثوثة في فضاء الكون يتخير عناصر مادية حميمة ترتبط بحياة الناس بصورة محببة ومألوفة كالشمس والضوء والليل والصحراء استمع إليه وهو يعبر عن معاني هائلة تعجز عنها العبارة حين تتشرب نفسه الحزن والألم يقول من قصيدة " عندما تحرق الذاكرة " :

بكرت أغزل ضوء الشمس من وهجي
وأنزف الليـل دمعا بين أحداقي
وأزرع الظـــــمأ المحتر في شفتي
على السراب وفي صحراء أعماقي

إننا هنا أمام عناء وألم هائل متجدد بصورة ينخلع لها القلب وتنشده الحواس لهذه المعاناة التي تتدفق كنهر أبدي من معين لا ينضب ، والصورة هنا تستوعب عذابات لا نهائية لم يستطع الشاعر التعبير عنها إلا عندما جسدها في مشاهد الطبيعة .

ويعبر الشاعر عن جنى الثغر من قبلات الحبيب كلحظة وجودية منفصلة عن الزمن ، ويعيش فيها التجربة الشعرية بكل توتراتها فيأتي تعبيره كصدى عن انفعاله ويجسد كل ذلك بترميز طبيعي معبر يقول من قصيدة " علني أتذكر " :

أطعميني من جنى ثغرك سكر
أطعـــميني علني أتذكر
كل ما أذكـــره في ليلة
نزل البدر على الشط تبختر
يجدل اللــيل على أعطافه
وأدار الصبح في عينيه يسهر

والصورة الشعرية في شعر طه بخيت تلونها المشاعر وتخلقها الانفعالات المشدودة أبدا للرحيل إلى البحر وهي صورة تأخذ الطبيعة فيها بأنواعها موقعا موحيا شفيفا خلابا لأن روح الشاعر تصور كل ذلك من خلال مخيلة شعرية متحركة ، وفي إطار الحركة يستنطق الشاعر البدر والبحر والسماء ، ويناجي الليل والفجر ، ويداعب الزهر والهواء ويهمس للطير في إيقاع هادئ رقيق ، وخير مثال على ذلك قصيدته "البحر والقمر " حيث يقول في أبيات منها معبرا عن حبه :

فقد حرت فيه أدير الكلام
وأودعه مترفــات الصور
أنضده باقــة في الصباح
ونجوى تثير فضـول السحر
وأهمس للطير في الأغنيات
تراجيــع لحن شجي الوتر
تراقصه الأنجـم الساهرات
على ضحكها يستفيق الزهر

وهكذا نرى من الأبيات السابقة عالما من الصور الجميلة الوادعة .. عالم مهموس تسمع فيه دوي للصمت ، وتحس حركة للسكون يستفيق فيه الزهر على أصداء همس من كلام شجي تنمقه المزاهر ، وتذوب فيه الألحان كبوح العطر، وتراقصه الأنجم السواهر في الأفق البعيد ، وهو بعد نجوى تثير فضول السحر الهادئ الرخيّ الأنسام ، وغناء من الهمس على هذه الشاكلة تراقصه النجوم من مطارحها البعيدة لا يصدر إلا عن روح شفاف يبحث عن عالم يضن به الخيال ، ويستفز للرحيل إليه واقع يوثق هذا الروح بضرورات الحياة . وبين الانطلاق والارتباط يتفجر الإبداع هائما بحثا عن ذلك العالم فلا يصل إليه ، ولكن يأتينا بنصوص رائعة هي صدى لذلك الهيام . تتكشف عن مثل هذا الشعر الجميل .

ونحن على يقين من أن للأستاذ طه بخيت الكثير من مثل هذا الشعر لا ندري أين هو ، ولكنه بالتأكيد موجود.

وبعد فهذه سياحة عاجلة في عالم طه بخيت الشعري لاتفي بغرض النقد الكامل ، ولكنها حاولت أن تستكشف فيه وجه الإبداع . دون وجوه أخرى للإبداع كامنة في هذا الشعر . وهي بانتظار النقاد .


محمد جميل أحمد
ينبع البحر 

ليست هناك تعليقات: